الأنبياء عباقرة زمانهم
لكل زمان عباقرته، ونبي كل زمان هو عبقري ذلك الزمان إن صلح القول، ويشهد الزمان بهذا الأمر بل إنهم عباقرة كل زمان وإن دعوتهم واحدة وكما أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم (الأنبياء إخوة لعلاّت) وفي رواية أخرى صحيحة: (أبناء علاّت)، ويبسطه لنا الحافظ ابن حجر حيث يقول: "الأنبياء إخوة لعلاّت، والعلاّت بفتح المهملة: الضرائر، وأصله أنّ من تزوّج امرأةً ثم تزوج أخرى كأنه عَلّ منها، والعَلَل: الشرب بعد الشرب، وأولاد العلاّت: الإخوة من الأب".
إذن فالقصد تشبيه الأنبياء عليهم السلام بالوالد الذي تزوّج عدّة نساء فأنجبْنَ أولاداً، فالأولاد أخوةٌ من جهة الأب، وهو تعبيرٌ نبوي دقيق لأنه يوميء إلى اشتراك الأنبياء عليهم السلام من جهةٍ، واختلافهم من جهةٍ أخرى، وليس الأمر اتفاقٍ وافتراق فحسب، ولكنه اتفاقٌ مبني على أخوّة.
وقد ذكر الطيبي في شرح الحديث، أن المقصود من الوصف بيان أن الغاية القصوى من البعثة التي بُعث الأنبياء جميعًا لأجلها دعوة الخلق إلى معرفة الحق، وإرشادهم إلى ما به ينتظم معاشهم ويحسن معادهم، فهم متفقون في هذا الأصل ويتم شرح الحديث ابن تيمية احد عباقرة زمانه فيقول شيخ الإسلام ابن تيمية: " هذا دين الأولين والآخرين من الأنبياء وأتباعهم هو دين الإسلام، وهو عبادة الله وحده لا شريك له، وعبادته تعالى في كل زمان ومكان، بطاعة رسله عليهم السلام، فلا يكون عابداً له من عبده بخلاف ما جاءت به رسله، ولا يكون مؤمنا به إلا من عبده بطاعة رسله، ولا يكون مؤمناً به، ولا عابداً له إلا من آمن بجميع رسله، وأطاع من أرسل إليه، فيُطاع كل رسول إلى أن يأتي الذي بعده، فتكون الطاعة للرسول الثاني".
ويؤكد ما ذهبنا اليه بقية الحديث (وأمهاتهم شتّى) وهذا هو القسم الثاني من التشبيه، والذي جاء لبيان الفروق الحاصلة بين حال الأنبياء من جهة تعدّد الشرائع وتنوّعها واختلافها، كأنهم أخوة لأبٍ واحد، وأمهات مختلفة، فمعنى الحديث: أنّ أصل دينهم واحد وهو التوحيد وإن اختلفت فروع الشرائع.