من هو الفيلسوف وما صفاته وألقابه؟
الفيلسوف رقيب الزمان وحاكم الوعي وراعي الفكر. ليس هذا القول نابعاً من أوهام النخبة، بل مرتبط بالوظيفة التنويرية الاستثنائية التي يضطلع بها الفيلسوف في مجتمعه. قلة من الناس تدرك مقام الفيلسوف الحق في معترك الحياة الاجتماعية اليومية. لا بد، والحال هذه، من إعادة النظر في مقام الفيلسوف وهويته ووظيفته ودعوته حتى ننصفه ونعامله المعاملة التي تليق برسالته التنويرية الجليلة.
رسالة الفلسفة
يمارس الفيلسوف رسالة الفلسفة، والفلسفة تضطلع بمهمة جليلة تستوجب إدراك العلوم، وإتقان المعارف، ورعاية الحكمة. لا شك في أن الثالوث المعرفي المؤلف من العلوم والمعارف والحكمة يؤهل الفيلسوف لفهم كينونة الكائنات، وماهية الوجود، وجوهر الزمان، ومعنى الحياة. وعلاوة على ذلك، يحرص الفيلسوف على تهذيب أخلاقه وأخلاق الناس، إذ إن الحكمة الفلسفية لا تستقيم إلا بالمسلك النبيل. حين تجتمع هذه الصفات في الإنسان، يستحق مقام الفيلسوف. اللقب الأعز على قلبه كان «حبيب المعرفة» ، أي الفيلسوف الذي يعشق الحقائق العلوية السماوية السرمدية الإلهية. كان الفيلسوف الألماني كانط شديد الحذر من عمليات التضلع والتبحر والتوسع. فاكتساب المعرفة ليس فلسفة، إذ إن الفيلسوف ليس بالضرورة بحراً للعلوم ومحيطاً للمعارف وحافظاً للأفكار ومستوعباً للتصورات، بل صاحب الفكر المنفتح والنظر الصائب والحكم السديد. ومن ثم، فإن الفيلسوف الحق إنسان مستنير جريء اكتسب مهارة التفكير النقدي الموضوعي البناء. فأخذ يتدبر المبادئ والأصول والأسس والخلفيات والمستندات والفرضيات التي تنعقد في تصورات الناس والمجتمعات والأمم والحضارات، فضلاً عن ذلك، يتميز الفيلسوف باعتصامه الصادق بمقاصد الرفعة الأخلاقية، إذ إن الفلسفة أيضاً فن الحياة الشريفة. نادراً ما يتساكن الفكر الفلسفي والفساد المسلكي أو قل الفجور السياسي في المدينة الإنسانية الواحدة، لذلك يستحيل على الفيلسوف أن يخالط أهل الفساد والضلال والانحراف الأخلاقي. بما أن الفلسفة فن الحياة الراقية، فإن الفيلسوف ما برح يجتهد في انتهاج سبيل الحكمة من أجل بلوغ السعادة الحق.
بين الفلسفة والصلاح
من جراء هذا التساكن بين الفلسفة والصلاح، كان الأقدمون ينعتون الفيلسوف بالإله المائت الذي يطوي أيامه بين الناس حاملاً مصباح الاستنارة. لا تقتصر رسالة الفيلسوف على الكشف عن الأفكار السامية، بل تنطوي أيضاً على مهمة حياتية جليلة تستوجب التزام المبادئ، وتجسيد القيم، والنضال في سبيل أنسنة الإنسان. ومن ثم، ينكشف لنا الاختلاف الخطر بين الفيلسوف الذي يحيا وفقاً لمقتضيات الحكمة، والمثقف الذي يفصح عن آرائه في الأحداث من غير أن يلتزم التزاماً كيانياً وجودياً.
بين علماء الفكر والفلاسفة
لا يخفى على أحد أن لقب الفيلسوف لا يحمله عندنا كثير من علماء الفكر، إذ إنه ينطوي على معاني التألق والإبداع والإنجاز الأصيل. أعتقد أن المجتمعات العربية تحتار في أمر التسمية، إذ تكتفي بعبارات ضبابية لا تفصح عن ماهية الوظيفة الاستثنائية التي يؤديها الفيلسوف. أما التنازع الأشد فأعاينه في الأوساط الجامعية العربية التي لا تستحسن إطلاق لقب الفيلسوف إلا بعد مكابدة وعناء وجدل منهك. أعتقد أن الفئة الأخيرة هذه، على ندرتها، تحتكر في مجتمعاتنا العربية لقب الفيلسوف الحق، في حين أن المجتمعات الغربية لا تستنكف من منح الفئات المذكورة، ما عدا الأولى، لقب الفيلسوف، ويقينها أن كل من تعاطى مهنة التفكير الفلسفي، مهما تنوعت مقادير إبداعاته، يستحق هذا اللقب. في سياق المشروع التأريخي الفلسفي الذي أشرف عليه من أجل ترصد البناءات الفلسفية المعاصرة في الأوطان العربية، وضعت بضعة من المعايير الاستنسابية التي تجعلني أصنف نتاج الفلاسفة العرب المعاصرين. «. كان هذا مختصر لمقال رائع بعنوان: من هو الفيلسوف وهل يحتاج العالم إليه وكيف للمفكر اللبناني مشير باسيل عون وأرجو أن ينفع الله به